نقلا عن موقع جريدة الشعب
دكتور مجدى قرقر
حكامنا لم يذوقوا طعم العبودية لله ولم يعرفوا قيمتها فجعلوا من أنفسهم طواغيت يستعبدوننا وعبيدًا أذلاء أمام قوى الاستكبار العالمى
نرفض التبعية وأية علاقات خاصة مع أمريكا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا
مقاومة المشروع الصهيونى الأمريكى فى المنطقة فرض عين على كل عربى
الأمن المصرى يتطلب تكاملاً عربيًا وتعاونًا إسلاميًا
استراتيجيتنا البديلة فى الاقتصاد هى استراتيجية الاعتماد على الذات
حزب «الاستقلال» حزب وطنى عربى إسلامى، يؤمن بأن الدوائر الوطنية والعربية والإسلامية دوائر متكاملة لا تتعارض، ويترجم مقولة شيخنا الفقيه محمد الغزالى: «أنا مصرى عربنى الإسلام». والإسلام الذى نعنيه هنا هو الإسلام بمفهومه الحضارى الذى يتسع لكل أبناء الأمة، لا بمفهومه الدينى الذى يقتصر على المسلمين؛ فحضارة أمتنا إرث مشترك شارك فى بنائه أقباط مصر من المسلمين والمسيحيين على السواء. هذا المفهوم يؤكد خصوصيتنا الحضارية ويُخرجنا من دوائر التبعية للغرب المهيمن على العالم باستقلالنا الوطنى.
الاستقلال الوطنى من مصر الفتاة والعمل إلى حزب الاستقلال..
الجذور - النشأة - الثورة - التأسيس الجديد
يأتى «حزب الاستقلال» -حزب العمل سابقا- امتدادا لتاريخ طويل من نضال تيار الوطنية والإسلام فى مصر، الذى بدأ بالثورة العرابية وزعيمها الوطنى (زعيم الفلاحين ونبْت تربة مصر) أحمد عرابى مع خطيب ثورته عبد الله النديم ورب السيف والقلم محمود سامى البارودى؛ تلك الثورة التى تصدت للاحتلال الإنجليزى رغم المؤامرة التى شارك فيها القصر والإنجليز والعملاء.
ويستمر تيار الوطنية والإسلام فى نضاله ضد الاحتلال، وفى مقدمته زعيم مصر الوطنى الشاب مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطنى عام 1908، وخليفته الوطنى الزاهد محمد فريد، ثم الأب الروحى لحزب العمل الزعيم المصرى أحمد حسين مؤسس حركة ثم حزب مصر الفتاة الذى استلهم اسم حزبه من مقولة مصطفى كامل: «أريد أن أبعث فى مصر الهَرِمة مصر الفتاة»، ثم نائبه المجاهد إبراهيم شكرى ورفيق كفاحهما الدكتور محمد حلمى مراد (راهب الوطنية المصرية) الذى شارك مع إبراهيم شكرى فى تأسيس وبناء حزب العمل.
ولقد مهد حزب العمل الاشتراكى ورموزه المجاهدة (إبراهيم شكرى - حلمى مراد - عادل حسين - مجدى حسين) وقيادات وكوادر الحزب لثورة 25 يناير المباركة بتصديهم لنظام مصر البائد المتمثل فى مبارك وعائلته ورموز نظامه وحزبه الفاسد. تصدى حزب العمل الاشتراكى للتبعية والاستعباد والاستبداد والفساد والركود والظلم الاجتماعى والتغريب. كان جزاء حزب العمل تجميد نشاطه وإغلاق جريدته، إلا أنه رفض الخضوع واستمر فى أداء دوره رغم كل العقبات، متقدما الصفوف ومشاركا فى إرهاصات ثورة 25 يناير المباركة.
إن الجهر بالحق هو السلاح الماضى لأى حركة شعبية ذات رسالة. وقد رأى حزب العمل دوما أن يقوم بهذا التكليف الشرعى، الذى لا يستند بتاتا إلى توازن القوى المادية مع أهل الباطل؛ فمعسكر الحق من المفترض أن يصدع بما يؤمر من الله عز وجل، بغض النظر عن حالة القوة والضعف من الناحية المادية؛ فأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
ولقد نال حزبنا «حزب العمل» قبل تغيير اسمه إلى «الاستقلال»، الكثير من نظام مبارك والحلف الأمريكى الصهيونى الداعم له؛ ففى مايو 2000م تم تجميد أنشطة الحزب وإغلاق جريدته «الشعب»، ولكن قيادات وكوادر الحزب لم تستسلم، واستمرت فى ممارسة أنشطتها المناهضة لمبارك والحلف الأمريكى الصهيونى. وكان حزب العمل فى مقدمة القوى الوطنية التى مهدت لثورة 25 يناير 2011. واستمرت مؤامرات الحلف الصهيونى الأمريكى وقوى الثورة المضادة المتحالفة معه ضد حزب العمل وجريدته بعد الثورة، فاضطر الحزب إلى إعادة تأسيس الحزب باسم «حزب العمل الجديد» وترك «حزب العمل الاشتراكى» لرجال الأمن والثورة المضادة ليرتعوا فيه فسادا.
ومع عودة «حزب العمل» باسم «حزب العمل الجديد» بعد تجميد استمر 11 عاما قبل ثورة 25 يناير، انزعجت الأجهزة الأمنية لعودة الحزب فى كشف أوجه التبعية والاستبداد والفساد والظلم الاجتماعى، فلم يتوقفوا عن الكيد للحزب وقياداته، فتم رفع قضية لحل «حزب العمل الجديد» بحجة تشابه اسم الحزب مع «حزب العمل الاشتراكى» الذى يحتله رجال الأمن. ولأننا نعرف أولوياتنا جيدا -بحمد الله- وأن معركتنا الأولى مع الصهاينة والأمريكان وأعوانهم من قوى الثورة المضادة، فقد وافق «المؤتمر العام لحزب العمل الجديد» على تغيير اسم الحزب إلى «حزب الاستقلال» حتى يقطع الطريق على الثورة المضادة التى تستهدف حل الحزب، خاصة أن تقرير مفوضى المحكمة الإدارية جاء فى اتجاه تشابه الاسم، رغم أن هناك أكثر من عشرين حزبا يوجد تشابه فى أسمائها.
إننا نسعد باسم «حزب الاستقلال» رغم اعتزازنا الكبير باسم وتاريخ «حزب العمل»، خاصة أن قضية الاستقلال الوطنى فى مواجهة التبعية كانت النقطة الأولى والأهم فى برنامج «حزب العمل» فى مراحله المختلفة منذ «حزب مصر الفتاة» فى ثلاثينيات القرن الماضى وحتى الآن.
الحرية باب الاستقلال.. والعبودية باب التبعية
يشير برنامج حزب الاستقلال إلى أن ثورة 25 يناير 2011 المباركة -رغم عدم اكتمالها- مثلت انعتاقا جديدا للشعب المصرى من عالم العبودية إلى عالم الحرية.. حرية الوطن وحرية المواطن.. عالم الحرية والكرامة، فلا كرامة بدون حرية؛ فالكرامة أهم ما يميز الإنسان وأهم ما يعتز به. والإنسان هو الغاية المستهدفة وهو العنصر الفاعل.. هو المستخلف فى الأرض وهو المكلف بإعمارها لخيره وخير كافة البشر، ولا يمكن للإنسان أن يبدع وأن يعمر وأن يعمل لخير البشر بدون حرية.
لذلك فإن الاستكبار (الاستعباد والاستبداد) هو الجرثومة الأخطر فى تاريخ البشرية؛ فالاستبداد يذل الإنسان، فيما يقول الله جل شأنه: (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون: 8).
والاستكبار يؤدى إلى الظلم الاجتماعى واستئثار المترفين بالثروة، كما يؤدى إلى تخلف المجتمعات علميا وثقافيا واقتصاديا؛ لأن الحاكم المستبد مشغول باستمراره الأبدى فى الحكم (السلطة) وهذه هى قضيته الأولى والأخيرة. والاستبداد يورث الكفر؛ لأن المستبد يعلن نفسه مرجعية عليا ووحيدة للمجتمع (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) ويدفع المجتمع بأسره إلى الهلاك فى الدنيا والآخرة. ولذلك فإن الكفر بالطاغوت ضرورة إيمانية!
والطواغيت ليسوا البشر من الحكام فقط، بل هناك طواغيت أكبر متمثلة فى دول الاستكبار التى تستذل الدول الأضعف لسرقة خيراتها.
إن الإيمان بالله ينزع من قلوبنا الخوف والتردد، ويعصمنا من الخضوع لطواغيت الأرض، مهما طغوا أو علوا. الإيمان بالله يعنى ألا نوالى غير الله، وما دمنا لا نوالى غير الله فلن نقبل بالظلم، ولن نعيش على الضيم.. هذا هو الإيمان الذى يجرد الفرد من أى خوف ويجعله يتصدى لطواغيت الأرض مهما طغوا أو علوا.
الإيمان بالله ليس مجرد نقطة فى برنامجنا فى «حزب الاستقلال»، بل غايتنا من الوجود، ولكن حكامنا لم يستجيبوا لهذا التوجه الشرعى، وجعلوا من أنفسهم طواغيت تستعبد شعوبهم، كما جعلوا من أنفسهم عبيدا أذلاء أمام قوى الاستكبار العالمى؛ كل هذا لأنهم لم يذوقوا طعم العبودية لله ولم يعرفوا قيمتها.
الاعتماد المتزايد على القروض والمعونات الأجنبية أدى إلى ربط عجلة الاقتصاد الوطنى بالمصادر المقرضة، وتدخلت المنظمات الدولية فى توجيه أمورنا فى ظل انهيار الإرادة السياسية المستقلة للحكام.
نعم للاستقلال.. لا للتبعية
الأمن القومى والعلاقات الخارجية
ولا نزال مع برنامج حزب الاستقلال: إن ارتباطنا بمصر وحبنا لها لا ينسينا أننا أصحاب رسالة سامية لا تنحصر فى الحدود المصرية. وفى ظل عالم لا تعيش فيه إلا الكتل الكبرى، تزداد دوافعنا للارتباط بعمقنا التاريخى والاستراتيجى بأهل أمتنا العربية والإسلامية الذين فرض عليهم الاستعمار كل صنوف الفرقة. وكما أشرنا فى مقدمة المقال، فإن حزب الاستقلال حزب وطنى عربى إسلامى، يؤمن بأن الدوائر الوطنية والعربية والإسلامية دوائر متكاملة لا تتعارض.
إن مصر قلب الوطن العربى النابض وقلب العالم الإسلامى بالتبعية، وقدر مصر التاريخى بحكم الموقع والموضع والتاريخ والحضارة أن تقوم بدور الرافعة التى تحقق نهضة الأمة العربية والإسلامية، ومن ثم فإن البحث عن سبيل لنهضة مصر بعيدا عن أمتها العربية والإسلامية رؤية ضالة تفتقد البصر والبصيرة وتجهل الوقائع الأساسية لحاضر مصر وماضيها ومستقبلها.
على المستوى العربى والإقليمى تمثل قضية التصدى للحلف الصهيونى الأمريكى وأعوانه أولوية أولى، ومن هنا كانت مواقف حزب العمل (الاستقلال حاليا) الرافضة لاتفاقيات الاستسلام مع الكيان الصهيونى، ومواقفه المساندة لانتفاضة شعبنا الفلسطينى البطل فى انتفاضتيه الأولى والثانية، ورفضه موقف نظام مبارك البائد التابع فى مشاركته الكيان الصهيونى فى حصار غزة ومن هنا كان سجن أمينه العام وقتها ورئيس الحزب حاليا الأستاذ مجدى أحمد حسين واثنين من صحفيى جريدة الشعب الناطقة باسم الحزب (صلاح بديوى - عصام حنفى) عندما تصدوا للتطبيع الزراعى الذى أدخل الهندسة الوراثية والبذور المسممة والمبيدات المسرطنة فى البلاد. ولم يمنع مجدى حسين رئيس الحزب وقتها أن رأس الحربة فى التطبيع هو نائب رئيس الوزراء وأمين عام الحزب الوطنى والرجل القوى إن لم يكن الأقوى فى مصر وقتها.
وكذلك كانت مواقف الحزب المساندة للجنوب اللبنانى والعراق وأفغانستان وإيران، ومؤتمراته الأسبوعية فى الأزهر الشريف طول ست سنوات، منذ الأول من أبريل 2002 بعد الاجتياح الصهيونى للأراضى الفلسطينية وحتى مايو 2008؛ حينما أصدر نظام مبارك قانونا خاصا بمنع التظاهر فى دور العبادة، وكأن القانون قد صنع خصيصا لحزب العمل استكمالا لحصاره.
ومن هنا فإن برنامج حزب الاستقلال يؤكد ما يلى:
1) تمثل قضية التصدى للحلف الصهيونى الأمريكى وأعوانه أولوية أولى فى برنامجنا. ومن هنا فإننا نرفض اتفاقيات الاستسلام مع الكيان الصهيونى ونساند مقاومة شعبنا الفلسطينى البطل ونرفض حصار غزة ونتصدى للتطبيع الزراعى الذى أدخل الهندسة الوراثية والبذور المسممة والمبيدات المسرطنة فى مصر، فأصاب شعبها بالالتهاب الكبدى والفشل الكلوى والسرطان بنسب تفوق أضعاف كل النسب العالمية.
2) نطالب بتجميد اتفاقية كامب ديفيد التى داوم العدو الصهيونى على انتهاكها تمهيدا لإلغائها. ويرتبط هذا بالمقاطعة الشاملة لأى وجود صهيونى على أرض مصر. ونرفض حالة التطبيع المتزايد بين حكوماتنا والكيان الصهيونى، وعلى رأسها اتفاقية الكويز التى تمثل ضربة قاصمة لصناعة النسيج المصرية العريقة، والعمود الفقرى للصناعة المصرية، ووضعها تحت الهيمنة الصهيونية، وكذلك بيع الغاز الطبيعى، وكل الاتفاقات الاقتصادية المتصاعدة بين مصر والعدو الصهيونى.
3) نصرة الجهاد الباسل لإخواننا الفلسطينيين من أهم أهدافنا، ونسعى إلى دعمهم بكل ما نملك حتى تحرير أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة. وتحرير القدس والمسجد الأقصى من أولوياتنا وأولويات الأمة بأسرها. ونطالب بفتح الحدود بلا قيد أو شرط بين مصر وقطاع غزة، وأن يستمر الشعب المصرى فى دعم الفلسطينيين لمواصلة جهادهم لتحرير فلسطين.
4) حرصنا على دعم الجيش المصرى وتقويته والحفاظ على تماسكه ليكون درعنا فى مواجهة أعدائنا، ولكن هذا الدور لا يكون ناجحا إلا إذا اعتمد على تكامل اقتصادى وعسكرى مع الدول العربية والإسلامية، وإلا إذا ابتعدنا عن نفوذ الدول الكبرى فى قراراتنا السياسية وفى توفير مستلزمات الدفاع بأنواعها كافة.
5) تحقيق الاستقلال فى مواجهة الهيمنة الأمريكية يمثل عملية بالغة الصعوبة وتتطلب جهدا وصبرا، ولكننا دون هذا الاستقلال السياسى والعسكرى يستحيل أن نحقق مخطط النهضة الإسلامية. واستقلالنا يبدأ بتعميق إيماننا بعقيدة لا إله إلا الله، فمن هذا الإيمان وبفضله تبدأ مسيرة الاستقلال فى أبعاده كلها.
6) رفض ما تسمى العلاقات الخاصة بأمريكا فى ضوء اتفاقها الاستراتيجى مع الكيان الصهيونى، الذى تطور إلى حالة من الهجوم العسكرى السافر والمباشر على أمتنا باحتلال أفغانستان. ورغم اضطرارها إلى الانسحاب من العراق فإن التهديدات متواصلة للبنان وسوريا وإيران والمقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى تثبيت وتعزيز الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج؛ لذا نطالب بالامتناع عن إعطائهم أى تسهيلات، أو أى قواعد عسكرية أو السماح لهم بالقيام بمناورات مشتركة على أراضينا، أو تمكينهم من الحصول على معلومات أو بيانات تحت ستار البحوث العلمية أو أية حجة أخرى. وما يسرى على الحلف الصهيونى الأمريكى يسرى على غيره؛ فقضية الاستقلال لا تتجزأ.
7) عدم قبول المعونات الأجنبية المشروطة، مع الاعتماد على الذات أولا ثم على المصادر العربية والإسلامية بعد ذلك. ونرى أن التكامل مع الدول العربية والإسلامية على طريق السوق المشتركة هو السبيل الرئيسى لنهضة اقتصادية وحضارية شاملة ولبناء كتلة متماسكة قادرة على مواجهة المنافسات الدولية الضارية.
8) العمل بكافة السبل لتعزيز الرابطة الإسلامية بين دول العالم الإسلامى فى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية.
9) تأكيد أهمية العلاقات الخاصة الدائمة بين مصر والسودان كنواة للوحدة العربية والإسلامية القائمة على أواصر القرابة والجوار بين الشعبين.
10) تدعيم الروابط مع الدول الإفريقية واعتبار حسن العلاقات مع دول حوض النيل من دعائم السياسة المصرية الخارجية، والانفتاح فى الوقت ذاته على العالم الأسيوى الناهض، والاهتمام بالتواصل مع الشرق وعدم الاكتفاء بالنظر إلى الغرب فحسب، والاهتمام بالعلاقات مع دول الجنوب عموما بما فى ذلك دول أمريكا الجنوبية التى تشهد نهضة اقتصادية استقلالية. والتركيز على حوار الحضارات مع كل الأمم والشعوب التى لا تناصب أمتنا العداء ولا ترفع فى وجهنا السلاح ولا تحتل أراضينا.
الاستقلال الاقتصادى صنو الاستقلال السياسى ويتبنى منهج التنمية المستقلة الشاملة
يتبنى حزب الاستقلال رؤية اقتصادية من منظور إسلامى تهدف إلى تحقيق حياة كريمة للفرد فى دنياه مع ابتغاء مرضاة الله، وبمعنى آخر، نعمل لآخرتنا دون أن ننسى نصيبنا من الدنيا. وهى رؤية وسطية تبارك المجهودات الفردية دون احتكار أو استغلال وبما لا يتعارض مع مصلحة الوطن والمواطن، تأكيدا لمبدأ (التكافل الاجتماعى) ومبدأ (لا ضرر ولا ضرار)، كما تبارك دور الدولة دون أن تجعل البشر تروسا فى ماكينات الإنتاج . أى إن القطاع الخاص والعام هما جناحا التنمية، وهو للأسف بُعد غائب فى دستور مصر.
التنمية المستقلة الشاملة
والاستقلال الاقتصادى يعنى تحقيق التوازن، وأن تقوم العلاقة بيننا وبين الآخرين على أساس الاعتماد المتبادل فى تكافؤ واحترام وندية واحترام خصوصية الآخر وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، وأن تتعدد مصادر التعاون حتى يمكننا تحقيق هذا التوازن. والحديث الشريف يشجعنا على هذا: (اليد العليا خير وأحب إلى الله من اليد السفلى).
إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة لن يتم تجاوزها جذريا إلا بتغيير جوهرى فى السياسات الاقتصادية العامة؛ ذلك أن سياسات الحكومات المصرية المتعاقبة اعتمدت أساسا على الاقتراض من الداخل والخارج حتى بلغ الدين قرابة 2000 مليار جنيه؛ أى نحو 300 مليار دولار، وكذلك الاعتماد على موارد إنتاجية غير مستقرة (السياحة- قناة السويس- تحويلات المصريين بالخارج)، وهى القطاعات التى ضربت نتيجة للانقلاب العسكرى فى 3 يوليو 2013.
ولن ينطلق اقتصاد البلاد ولن يتم تجاوز حالة التردى هذه إلا بسياسات تعتمد على تشجيع الإنتاج والمشروعات الإنتاجية الوطنية فى مختلف المجالات الزراعية والصناعية، بدلا من الاعتماد على التوكيلات الأجنبية.
يقول أخى الأكبر الأستاذ مجدى حسين رئيس الحزب: إن التجارب الأسيوية الناجحة اعتمدت على التدخل النشيط للدولة فى توجيه عملية التنمية حتى فى ظل انتشار القطاع الخاص، واعتمدت على الإصلاح الجذرى لنظام التعليم، والتركيز على تطوير أجهزة البحث العلمى، والاستفادة من الاستثمار الأجنبى باكتساب الخبرة منه ونقلها إلى القطاع الوطنى، دون الاعتماد الأبدى أو التواكل على الاستثمار الأجنبى. وهذا هو جوهر الكارثة المصرية؛ فالسياسات الرسمية عملت فى بلادنا على خط مستقيم عكس ذلك، فرفعت الدولة يدها عن توجيه العملية الاقتصادية، وتركت أحوال الاقتصاد لعصابات السلب والنهب والاحتكار، وتدهورت العملية التعليمية، وانقطعت صلتها بمتطلبات التنمية، فيما تكاد ميزانية البحث العلمى تصل إلى صفر كبير (0.2%)، وجعلنا الاستثمار الأجنبى بديلا لانطلاق الاستثمار الوطنى، فيما لم يهتم الأجنبى إلا بالصناعات الاستهلاكية، التى تكفلت بضرب الصناعات الاستهلاكية الوطنية. بل وأكثر من ذلك، بلغ سفه الحكام إلى تبديد الموارد المصرية فى مشروعات استعراضية لم تُفْضِ إلا إلى تبديد المليارات بلا طائل فيما تسمى المشروعات القومية التى ثبت فشلها جميعا: توشكى - شرق التفريعة - ترعة السلام - حديد أسوان... إلخ. إننا نرى أن التنمية الاقتصادية لا تتم بدون الاعتماد على الذات.
ويضيف مجدى حسين: إننا نرى فى حزب الاستقلال أن أى حديث عن النهضة الإسلامية يكون بلا معنى حقيقى ما لم يشمل مشروعنا اقتصادا وطنيا مستقلا ناميا يغنينا عن سؤال أعدائنا. وتأسيسا على ذلك، يكون برنامجنا للإصلاح الاقتصادى وفق مبدأ الاعتماد على الذات فى الإنتاج فى المجالات كافة حسب الأولويات الإسلامية: الضروريات ثم الحاجيات، بما يعنى التركيز على مشروعات الإنتاج الغذائى والسلاح والمساكن والملابس الشعبية ومستلزمات الإنتاج المختلفة وكافة المشروعات الضرورية لحاجات الإنسان الأساسية.
استراتيجيتنا البديلة - استراتيجية الاعتماد على الذات
من سنن الحياة أن الأمم لا تتقدم بالاعتماد على الآخرين؛ لأن أى أمة لا تعطى أمة أخرى وسائل القوة لتنافسها، وعلى كل أمة أن تعتمد على قواها وعقول أبنائها، وأن تحفر فى الصخر طريقها للبناء والنهضة، وأن تعتمد على قواها الذاتية مهما كلفها ذلك من تضحيات، وعندما تقوى وتقف على قدميها سياسيا واقتصاديا وعسكريا يمكن أن تقيم علاقات ندية مع الآخرين.
فما هى استراتيجيتنا البديلة لتنمية اقتصادية مستقلة شاملة؟ فلنكمل الموضوع فى مقالنا القادم.. والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق